مُسَافِرُون

 

فِي القِطَار الْمُزْدَحِم

يغازل رَجُلٌ حبيبته
كالمهووس فَلَا يَتَوَقَّفُ
عَنْ رَمْيِ الْكَلِمَات الْمُثِيرَة
فتبتسم لَه المعشوقة مِنْ الْحَبِّ . .
فِي القِطَار تَجْلِس بِجَانِبَي
فَتَاة فاتِنَة وكَثِيرَةٌ الدَّهْشَة
يَقْتَرِب مِنْهَا فَتًى صَغِيرٌ
يَبِيع المناديل تَحِنّ عَلَيْه
فتهديه اِبْتِسَامَةٌ لِأَجْل جَمَالِه
وَتُعْطِيه بَعْضًا مِنْ نقودها بالمجان
دُونَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْدِيلًا وَاحِدًا ..
فِي القِطَار تَصْرُخ إمْرَأَة
مِنَ التَّعَبِ وَمِنْ شِدَّةِ الْمَرَضِ
لَعَلّ أَحَدٌ الْمُسَافِرِين ينجدها
فَتَبْكِي مِنْ حَالِهَا ومِنْ الْيَأْسِ ..
فِي القِطَار يَلْعَب شَابٌّ بهاتفه
وكُلَّمَا اشدت صُعُوبَة الْأَمْر
يَضْرِب بِقَدَمِه أَبْوَاب القِطَار
ثُمّ يُعْلِن فَوْزَه مِنْ الْحَرَارَةِ
فيصفق لَه أَصْدِقائِه مِن الحَماس ..
فِي القِطَار يَطُوف بَائع الشَّاي
وكَأَنَّه يُعْطِنِي نَشِيدٌ الْأَمَل
لَعَلَّك إنْ رَغِبْت تَعَطَّفَ عَلَيْهِ
أَو لَرُبَّمَا تُصْبِح أَنْت وكَأْس الشَّاي
رُفْقَة رَحْلِه لِإِحْدَى عَشَر مَدِينَة
تَطُول مَعَهَا سَفَرًا فَلاَ تَنَامُ عَيْنَايَ
جَسَدِي مُتْعِب وعَقْلِيٌّ مَشْغُولٌ
مِنْ الْخَوْفِ رُبَّمَا أَن سَهَوْت لِدَقِيقَة
أَقُول رُبَّمَا تَفُوتَنِي المحطة التَّالِيَة
فأضيع مِنْ عَدَمِ شُعُورِي ومِنْ قِلَّةِ التركيز
أَوْ رُبَّمَا أَفْقِد محفظتي فِي ثَوَانِي قَلِيلِه
فَلَا أَشْعَر بِاَلَّذِي يَجْلِس بقربي
فَتَظَل يَدَي بِدَاخِل جعبتي
تَحْفَظ هويتي وجَوَازِ السَّفَرِ
مِن سَطْو رُبَّمَا يَأْتِي عَلَى الْغَفْلَة ..
فِي القِطَار تَكُون مِثْلَك كَمَثَل الْغَرِيب
كُلّ وَقْتِك يَضِيع عَلَى تِلْكَ النَّافِذَةِ
شَدِيدَة الثَّلْجِ وَكَثِيرَةَ الْمَطَرِ ..
فِي القِطَار المتبدل
تَصْعَد أُمٌّ مَعَ طفلتها الرَّضِيعَة
فَلَا تَجِدُ مَكَان لِكَي يحتويها
صَوْت القِطَار سَرِيع كَالْبَرْق
وصَوْت الطِّفْلَة مُؤْلِم جِدًّا
تُرِيدَ النَّوْمَ و لَا تُعْرَفُ
تُرِيدُ أُمُّهَا الْجُلُوس بِهَا بِأَيّ شَكْل
ولَا تَجِدُ شَخْصٌ مُتَبَرِّعٌ بِالرَّحْمَة ..
فِي القِطَار تَقْرَأ طَالَبَه بِالجَامِعَة
تَفَاصِيل يَوْمِهَا الْقَاسِي فَتُسْأَل صديقتها
عَن مُحْتَوًى حَلّ طَرِيقَة السُّؤَال
فَلَا تجيبها الْأُخْرَى لِأَنَّهَا بِآيِسَة
فَتُغْلَق الطَّالِبَة الجَامِعِيَّة حقيبتها ..
فِي القِطَار يهرع النَّاس فَجْأَة
فَيَتَدَافَع الْفِتْيَان والشُّبَّان
والْمُشَرَّدُون والعاجزون
والسَّارِق و المنطفي سَبِيلَه
مِثْلُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلُّ هَذَا
لِأَنّ الشَّرْطِيّ أُتِي لِكَي يَتَفَقَّد
تَذْكِرَةُ السَّفَرِ
شَاهَدْت أَن غالبيتهم
لَا يَحْمِلُونَ التَّذْكِرَة
هُم أَشْخَاص غَيْر مشبعين
هُم أُنَاسٌ نازحين
هُم أطياف أَشْبَهَ بِأَنْ نَقُولَ عَنْهُم إحْيَاء
كَانَ عَلَى شَرْطَيْ القِطَار أَن يعفيهم
ولَكِن ظَلَم الْحَيَاة يَسُود أَيْضًا فِي دَاخِلِ القِطَار ..
فِي القِطَار يَصْعَد جُنْدِيّ
مِنْ مُدُنِ لَا تشبهك
تَقْرَأُ فِي وَجْهِهِ تَفَاصِيل
الْخَوْفِ مِنْ الْمَجْهُولِ
و مِنْ عَدَمِ الْعَوْدَةِ إلَى كَنَفِ الْبَيْت ..
فِي القِطَار تمازحني إمْرَأَة أمَام زَوْجِهَا
فتسألني عَن أسلوبنا فِي فَنِّ إعْدَاد الطَّعَام
كَانَت تضحكني كَثِيرًا وتسليني ببساطتها فأجيبها
أَعْجَبَتْنِي لِأَنَّهَا ذَكِيَّةٌ ومحتالة بِمَا يَكْفِي
فَأَخَّرَ مَا عَلِمْته أَنَّهَا طَبِيبَة ..
فِي القِطَار تَنْتَهِي كُلّ الْمُدُن وتَأَسُّف عَن التَّمَنِّي
شوقك هُوَ الَّذِي يَقْفِز أَمَامَك بَعْدَ هَذَا الدَّوَرَان
وحُبُّك لَازَال يضيئ لَك الشَّوَارِع
بَعْدَ كُلِّ عَتَمَة زارتني فِي لَيَالِيهَا الطَّوِيلَة
فَوَجَدت أَن الْحِلْم سَيِّد الْأَمَل بَعْدَ كُلِّ انْتِظَار ..
سَار القِطَار بَعِيدًا وَسَرَت أَنَا فِي دَرْبِ الْحَيَاة
هِي شُؤُون تَكْتُبْهَا فيِ قَائِمَةِ التَّذَكُّر
عَنْ يَوْمِ مَاضِي كَانَ فِيهِ
الْحُزْن والسَّعَادَة والشَّتَات
والضَّيَاع والْقَتْل والْخَوْف
الْكُلّ يُرِيد نِسْيَان نَفْسِه
فَنَحْن جَمِيعِنَا مُسَافِرُون ..